Monday, April 18, 2011

IN THE PRESS: تقاسيم ما بعد العراك - لناجي صوراتي حبـال الذاكـرة وقسوة الحـرب




الحبال والنار والخشب التي وُصف استعمالها في صفوف المسرح بالأسلوب التربوي العنيف، والتي أدّت أخيرا إلى استغناء الجامعة اللبنانية الأميركيّة (LAU) عن الخدمات التعليمية للمخرج والاستاذ المسرحي ناجي صوراتي، كانت هي نفسها العوامل التي شنقت أقاويل المشككين، وأشعلت حماسة الحضور وسمّرت الحرب اللبنانية على خشبة "مسرح المدينة"، الذي فتح أبوابه أمس الأوّل الأربعاء، للعرض الأوّل لمسرحية صوراتي حول العنف وعنوانها "تقاسيم ما بعد العراك"، عن نصوص الأديب والكاتب الصحافي نصري الصايغ. فتقمّص 13 ممثلا أدوار الشهيد والشهود والقاتل على مدى ساعة من الوقت، حَبس الحضور في أثنائها أنفاسه، على وقع تحطّم الديكورات والأقنعة والأكاذيب، "ليتكلّم القاتل" في حرب لبنان ويحصد تصفيق الجمهور... فماذا يقول "القاتل إن حكى"؟
في تمام الساعة الثامنة والنصف أُقفلت الأبواب، وأصبحنا في حضرة المسرح، شهودا على عراك تنجلي تقاسيمه أمام أنظارنا... إنه عراك الحياة التي تلفظ أبناءها، أجنّة يتدحرجون على خشبة المسرح، ترافق ولادتهم صرخات وجع أوبرالية بصوت الممثلة المسرحية ومغنية الأوبرا هبة صعب، فتهزّ كياننا لنعود بدورنا إلى رحم المسرح، ونختبره بفضول أطفال يستكشفون عالما خاصا، يترجّح بين هاوية الواقع وحبال الذاكرة وقسوة الحرب... هكذا كان المشهد الأوّل!

محصّلة الحرب

في هذه المسرحية التي جاءت استكمالا لآخر أعمال صوراتي، "تقاسيم عراكية"، شغل الممثلون كل زاوية من الخشبة، متشحين بلون الحداد، وتنقّل كل منهم على صنج نحاسي، تحلو للمخرج تسميته بالـ "قوقع"، تذكيرا بالتقوقع الذي يعيش فيه اللبناني ضمن طائفته الضيّقة والقضايا التي فُرِضت عليه، عن علم أو غير علم، ليخوض حربا أهلية ذهب ضحيتها ما يقارب الـ 200000 شهيد. وبعملية حسابية بسيطة تستند إلى كتاب نصري الصايغ "القاتل إن حكى"، يكشف صوراتي في مسرحيته حول العنف والحرب اللبنانية، أن نحو 80 ألف خاطف و40 ألف قاتل ممّن شاركوا في مآسي الحرب اللبنانية، شملهم عفو عام، وحوّلهم من مجرمي حرب إلى شخصيات بارزة في "السياسة والتربية والإعلام والثقافة، ومن دون تأنيب...".

وتتطوّر فصول المسرحية في حالة من الإرباك والفوضى والضجيج، وهي صفعات أقسى وأكثر عنفا من الضربات الجسدية التي يتبادلها الممثلون في معاركهم الممسرحة، أسوة بالمسرحي الفرنسي أنطونين أرتو، عرّاب "مسرح القسوة". فتوجّه المسرحية الصفعات إلى محيّا الذاكرة اللبنانية الجماعية التي شاءت أن تنسى، ولكنها لم تستطع أن تغفر، وكيف تغفر لمن لم يلتمس منها السماح؟

هذا سؤال ضمن جملة من الأسئلة، توقظ الضمير اللبناني من سباته الطويل، ليتصالح مع ماضيه ويَعي أننا ندوس كل يوم على مقبرة جماعية ووري فيها شهداء حروبنا، وتمتد على مساحة 10452 كلم2، مساحة الوطن الذي ابتلع أبناءه!

ويقول صوراتي لـ "الجمهورية":

"لا أستطيع أن أدعو الناس إلى حضور المسرحية، إذ لا أتوقع أن تكون ضمن قدرة احتمال الكل!"

وفي هــــــذا الإطـــــــار، حمّـــــل "الديداسكالوس" أو المعلّم ناجي صوراتي، ممثليه المصارعين أو "الأغونيستيكوس"، أسماء ضحايا حقيقيين نبشهم من ذاكرة الحرب اللبنانية، فضاعت أسماء الممثلين المأخوذين في عراك مستمر يتخلّله لحظات صفوة، تأتي كوقف إطلاق نار، يتيح للحضور أن يلتقط أنفاسه خلالها.

ويستنزف صوراتي في مسرحيته عناصر الديكور كلها التي ينقلها من الجماد إلى أجساد ممثليه عبر أجنحة ملائكة طبعت على ظهورهم... فلم يقتصر الديكور على الحبال واللوحات الخشبية والصنوج النحاسية والنار ولعبة الضوء والظلمة، التي أتقنها المخرج، إلى حد خلنا معه أنفسنا في فيء لوحة من لوحات رامبرانت، بل تعدّى الديكور ذلك كله ليكون الممثل الرابع عشر على خشبة صوراتي.

هويّات

وتتماهى في المسرحية هويّات القتلى والشهود والقاتلين التي تتنقّل بين الخشبة والحضور، في دائرية عبثية يَبقى صوراتي وفيّا لنمطها حتى آخر نفس من مسرحيته، التي تشدّك وتقحمك، شئت أم أبيت، في صومعتها، حيث تعلو أصوات الممثلين ناطقة بالعربية والفرنسية والإنكليزية، في ملحمة تعيدنا بالذاكرة إلى أسطورة برج بابل، وتتداخل فيها اللغات والأصوات والصرخات والغناء في مشهد الذروة الذي بلغته المسرحية، حيث اصطفّ الممثلون، يصرخون بصوت واحد ولغات متعدّدة في وجه البلبلة التي همّشت ذاكرة اللبنانيين "كي لا ننسى"... حينها احترق التصفيق على أكفّنا ونسينا نظرة اللوم والعتاب التي وجّهها إلينا الممثلون، عندما ظنّوا القاتل بيننا!

شارك في هذه المسرحية، المستمرّة على خشبة "مسرح المدينة" لغاية 13 نيسان، عدد من طلاب المسرح والممثلين المحترفين، وهم: فيروز أبو حسن، بشير أشقر، جود أضاضا، جوانا عزيز، فراس بو زين الدين، رامي عيد، خليل قادري، علاء ميناوي، عمَر مجاعص، فايز روّاس، هبة صعب، حسن سلامة، ومهدي يحيى... فقدّموا أداء مقنعا وراقيا
 


 April 2011 رنا أسطبح

No comments:

Post a Comment