عندما تذوب المدينة تحت وطأة ملح بحر نشف وجفّ، قد تكون المدينة ماتت. ومن شهد على آخر لحظات الفناء في هذه المدينة المبعثرة، وعلم أسرار احتجاب الشمس وراء أكمة رمل وغبار ودمار، هو من حرّض ناجي صوراتي على الالتحاق بالركب الأخير من الأحياء الاموات في عرضه الجديد. ناجي المخرج اولاً، والممثل كان هو الاعمى البصير، الذي اختار أن يذرّ الغبار في عين الشمس، في عرض جديد، قوامه الماء كالعادة ودورة الحياة المعطّلة، عن مجموعة نصوص للكاتبة ايتيل عدنان، على مسرح المدينة. " ذرّة رمل في عين الشمس" العمل الجديد لفرقة كينيتيك
سرد مصوّر
لكلّ الذي يعرف أعمال ناجي صوراتي، يعلم مسبقاً بأنّه سيرى عرضاً جسديّاً بامتياز. ناجي الشغوف الدائم بالجسد وتعبيره، لم يقدم هذا الجسد كما عهدناه في الأعمال السابقة، وفاجأنا بنوع جديد من المشهديّة. أجواء الغموض ما زالت هي نفسها، سينوغرافيا تبتغي اثارة حيرتك وسؤالك عن جدواها، لتدخل من خلالها الى المحترف البصري الذي ذاب فيه ناجي بنفسه هذا العام، بعد أن تحوّل لعالم أعمى اختار امّا عمداً أو بالصدفة فقدان نظره، نظراً لما رآه في آخر لحظات المدينة التي وقعت أخيراً في شرّ أعمالها أو أعمال أبنائها، وهو الذي حذّر من هذا السقوط في عمله السابق. هي ذرّة الرمل التي نضعها كلنا حجّة في كل ما يجري، الذرة التي قصمت ضهر البعير، تلك التي ننثرها فوق أشعة الشمس الكاشفة للعيوب، كفيتو طوعي نستعمله للغرق في العمى لكن بعد فوات الاوان عندما نكون قد رأينا وشاركنا في زخرفة البشاعة والحقد. النص اعتمد على مزيج اللغات العربيّة والفرنسيّة والانكليزيّة، وهو عادة في مسرح ناجي، لكنّ هذه التوليفة لم تكن سهلة المتابعة في هذا العرض، نظراً لتداخل جمل الممثلين في بعضها، الامر الذي منعنا احياناً من فهم المضمون، اذ كان كل ممثل يحاول ترجمة الجملة سريعاً، من العربية للانكليزيّة، بطريقة القاء لم تكن موفّقة من جهة مخارج الكلمات ولفظها بالعربيّة التي بدت شاقّة على البعض، خصوصاً في حوار الشخصيتين اللتين جسدتا ناجي، الاعمى والبصير، وهي الحبكة التي قام عليها العرض، بعيداً عن العمل الجماعي الكبير الذي اعتدنا عليه في عروض ناجي صوراتي. شاهدنا ناجي وقرينه، العالم ولسانه، يتكلمان ويسألان ويجيبان في مختبر الحياة، في مكان ذاب، وبات قاحلا من كلّ شيء ينبض بالحياة ما عدا سمكة حمراء ما زالت تعوم في ما تبقّى من الماء، ولسان حيّ يروي. ناجي، الذي كان مؤديّا أكثر منه ممثلا، والذي نفضّله مخرجاً، سرد نصا جميلا لايتيل عدنان، دون القفز الى أبعد، ودون شرح زيادة. هو دائماً يشبه نصوص ايتيل، ويجد فيها مزاجاً ينتمي اليه، وبعد الكلام عن الحرب ومجرميها، العام الماضي، اختار العمى هذا العام. اختار هدوءاً منذراً بألف فكرة وفكرة على مسرح خالٍ نسبيّاً من الاشياء ما عدا الزجاجات المليئة بالرمل، كساعات الرمل، والوقت الذي أضحى سيد المكان وبزواله يهدد ما تبقى من النّفوس. ناجي كان يجري اختبارات على كل ما يتبخّر وينذر بهبوب العواصف، كالنار والماء المغلية، والدخان والضباب، والرمل المتطاير الذي يعبّأ في قناني ويعود ويرمى، جامعاً عناصر الطبيعة الاربعة، كعودة لتركيبة البشرية، في محاولة لمزج كون جديد، كون بدأ يعدّ بعد أن فشلت تركيبة الكون حيث نقبع. لكن ما رأيناه لم يكن كافياً. فمواجهة ناجي مع نفسه، أو مع شبح، وهو نفسه كان هذا الشبح في عدّة لحظات، لم تكن صافعة كفاية وصادمة للعين والروح. كانت ثمّة عصب مفقود في أداء الرجلين، كان الجسد غير متحفّز للهبوب وجرت الامور بايقاع بطيء نوعاً ما. السينوغرافيا كانت مؤثرة نظراً لما حملته خلف السطور، وهي ميزة ناجي، الذي وإن لم تفهم كل الرموز التي وضعها، لهدف في نفسه، لكنها تبدو مناسبة مع المناخ العام للعمل. وسواء فهمنا كل ما رأيناه أم لا، ناجي يبدو مستمتعاً بكل ما أقامه من كرنفال رمزي وطقسي لمدينة سلبيّة الذبذبات. عالم في عالم مجنون أو غير مجنون، لا معادلات في العالم المبتكر على الخشبة، لا أشياء مطلقة، كله قائم على زمن يخلقه لنا ويسافر عبره في ساعة وهميّة، لتبحث بنفسك عن اسقاطات يمليها علينا بحنكة عارف. لكن عرض ناجي كان هادئاً اكثر من العادة، مرّت به اوقات رتابة من كثرة الكلام، مع لحظات صمت مطوّلة حيث لا جديد في الحدث القائم، الاحداث تتابعت بشكل مسطّح وكنا بحاجة لأكثر من تعبير. لم نر ما يشبعنا في عرض ناجي الجديد بعد ان اختار محطة اخيرة في مدينة تحترف الصمت، لتكون منبرا وقف وراءه كمتنبئ أخير بين رمال تبقى لتختزل الوقت، وبين فراغ وهدوء، شاهدنا عرض لم يحاك انفعالاتنا بالشكل المطلوب، لأنّ طمعنا بناجي صوراتي كبير، لكنّه كان بخيلاً في القاء ذرّة رمل واحدة لم تشف غليلنا
سرد مصوّر
لكلّ الذي يعرف أعمال ناجي صوراتي، يعلم مسبقاً بأنّه سيرى عرضاً جسديّاً بامتياز. ناجي الشغوف الدائم بالجسد وتعبيره، لم يقدم هذا الجسد كما عهدناه في الأعمال السابقة، وفاجأنا بنوع جديد من المشهديّة. أجواء الغموض ما زالت هي نفسها، سينوغرافيا تبتغي اثارة حيرتك وسؤالك عن جدواها، لتدخل من خلالها الى المحترف البصري الذي ذاب فيه ناجي بنفسه هذا العام، بعد أن تحوّل لعالم أعمى اختار امّا عمداً أو بالصدفة فقدان نظره، نظراً لما رآه في آخر لحظات المدينة التي وقعت أخيراً في شرّ أعمالها أو أعمال أبنائها، وهو الذي حذّر من هذا السقوط في عمله السابق. هي ذرّة الرمل التي نضعها كلنا حجّة في كل ما يجري، الذرة التي قصمت ضهر البعير، تلك التي ننثرها فوق أشعة الشمس الكاشفة للعيوب، كفيتو طوعي نستعمله للغرق في العمى لكن بعد فوات الاوان عندما نكون قد رأينا وشاركنا في زخرفة البشاعة والحقد. النص اعتمد على مزيج اللغات العربيّة والفرنسيّة والانكليزيّة، وهو عادة في مسرح ناجي، لكنّ هذه التوليفة لم تكن سهلة المتابعة في هذا العرض، نظراً لتداخل جمل الممثلين في بعضها، الامر الذي منعنا احياناً من فهم المضمون، اذ كان كل ممثل يحاول ترجمة الجملة سريعاً، من العربية للانكليزيّة، بطريقة القاء لم تكن موفّقة من جهة مخارج الكلمات ولفظها بالعربيّة التي بدت شاقّة على البعض، خصوصاً في حوار الشخصيتين اللتين جسدتا ناجي، الاعمى والبصير، وهي الحبكة التي قام عليها العرض، بعيداً عن العمل الجماعي الكبير الذي اعتدنا عليه في عروض ناجي صوراتي. شاهدنا ناجي وقرينه، العالم ولسانه، يتكلمان ويسألان ويجيبان في مختبر الحياة، في مكان ذاب، وبات قاحلا من كلّ شيء ينبض بالحياة ما عدا سمكة حمراء ما زالت تعوم في ما تبقّى من الماء، ولسان حيّ يروي. ناجي، الذي كان مؤديّا أكثر منه ممثلا، والذي نفضّله مخرجاً، سرد نصا جميلا لايتيل عدنان، دون القفز الى أبعد، ودون شرح زيادة. هو دائماً يشبه نصوص ايتيل، ويجد فيها مزاجاً ينتمي اليه، وبعد الكلام عن الحرب ومجرميها، العام الماضي، اختار العمى هذا العام. اختار هدوءاً منذراً بألف فكرة وفكرة على مسرح خالٍ نسبيّاً من الاشياء ما عدا الزجاجات المليئة بالرمل، كساعات الرمل، والوقت الذي أضحى سيد المكان وبزواله يهدد ما تبقى من النّفوس. ناجي كان يجري اختبارات على كل ما يتبخّر وينذر بهبوب العواصف، كالنار والماء المغلية، والدخان والضباب، والرمل المتطاير الذي يعبّأ في قناني ويعود ويرمى، جامعاً عناصر الطبيعة الاربعة، كعودة لتركيبة البشرية، في محاولة لمزج كون جديد، كون بدأ يعدّ بعد أن فشلت تركيبة الكون حيث نقبع. لكن ما رأيناه لم يكن كافياً. فمواجهة ناجي مع نفسه، أو مع شبح، وهو نفسه كان هذا الشبح في عدّة لحظات، لم تكن صافعة كفاية وصادمة للعين والروح. كانت ثمّة عصب مفقود في أداء الرجلين، كان الجسد غير متحفّز للهبوب وجرت الامور بايقاع بطيء نوعاً ما. السينوغرافيا كانت مؤثرة نظراً لما حملته خلف السطور، وهي ميزة ناجي، الذي وإن لم تفهم كل الرموز التي وضعها، لهدف في نفسه، لكنها تبدو مناسبة مع المناخ العام للعمل. وسواء فهمنا كل ما رأيناه أم لا، ناجي يبدو مستمتعاً بكل ما أقامه من كرنفال رمزي وطقسي لمدينة سلبيّة الذبذبات. عالم في عالم مجنون أو غير مجنون، لا معادلات في العالم المبتكر على الخشبة، لا أشياء مطلقة، كله قائم على زمن يخلقه لنا ويسافر عبره في ساعة وهميّة، لتبحث بنفسك عن اسقاطات يمليها علينا بحنكة عارف. لكن عرض ناجي كان هادئاً اكثر من العادة، مرّت به اوقات رتابة من كثرة الكلام، مع لحظات صمت مطوّلة حيث لا جديد في الحدث القائم، الاحداث تتابعت بشكل مسطّح وكنا بحاجة لأكثر من تعبير. لم نر ما يشبعنا في عرض ناجي الجديد بعد ان اختار محطة اخيرة في مدينة تحترف الصمت، لتكون منبرا وقف وراءه كمتنبئ أخير بين رمال تبقى لتختزل الوقت، وبين فراغ وهدوء، شاهدنا عرض لم يحاك انفعالاتنا بالشكل المطلوب، لأنّ طمعنا بناجي صوراتي كبير، لكنّه كان بخيلاً في القاء ذرّة رمل واحدة لم تشف غليلنا
2012 - أروى عيتاني
Please find the link below to view the article online;
http://www.assafir.com/Article.aspx?ArticleId=1893&EditionId=2104&ChannelId=50172
Please find the link below for more information on 'A GRAIN OF SAND in the Eye of the Sun.'
http://didaskalosaghonistikos.blogspot.com/2012/03/grain-of-sand-in-eye-of-sun.html
Please find the link below for direct access to the Facebook Event of 'A GRAIN OF SAND in the Eye of the Sun.'
http://www.facebook.com/events/303367216383027/
No comments:
Post a Comment